رابعاً :اللغة والمكان والزمان :
للمكان أثره في اللغة فقد لاحظ اللغويون أن لغة سكان الصحراء تختلف عن لغات سكان المناطق الأخرى من سهول ، وأراض ٍ زراعية ومدن صناعية . فلغة الصحراويين خشنة الألفاظ ، غليظة الأصوات ، فالصحراوي يحتاج إلى صوت مرتفع غليظ يسمع في الفراغ الذي أمامه ، ويصل إلى ما يريد من أماكن وليست الآية الكريمة الرابعة من سورة الحجرات إلا دليل على ارتفاع صوت البدو . يقول تعالى " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون " ولكن بعد أن تَحضَّر البدو وسكنوا المدن لاحظنا تغيراً في طرق التعبير ، وأداء الأصوات ، ونظام القواعد ، فقلَّت اللهجات ، وبرزت القرشية كلغة عامة بين العرب.(10)
وللزمان تأثيره في اللغة كذلك ، فالفرد يتأثر نطقه حسب سني عمره ، وانتقال اللغة من جيل إلى جيل يترك أثره في أصوات اللغة ومفرداتها ونظمها وتراكيبها .(11)
ونلاحظ التغير الملموس في بعض أصوات العربية فالذال أصبحت قريبة من الزاي فضلا عن فقدان الإعراب في العاميات وتقصير الحركات الطويلة أو حذفها وخلق حركات غريبة .
خامساً : اللغة والنظم الاجتماعية :
تتأثر اللغة بالنظم الاجتماعية التي تكون عليها الأمة فتحمل سمات المجتمع في النواحي السياسية والاقتصادية والدين ، فالمجتمع يطبع خواصه في هذه النواحي على لغته ، فالكلمات والتعبيرات تتمشى مع شكل النظام السياسي والاجتماعي والاقتصاد ي والديني وغيرها من النظم الاجتماعية .
فعندما يتغير الشكل السياسي تتأثر اللغة به ، فلو درسنا مثلا الألفاظ المستعملة في عصر الإقطاع ، وعصر ما بعد الثورة في أوربا ، لوجدنا أن مدلول كلمة "سيد " قد تغير .
وللحياة الاقتصادية كذلك طرائقها ونظمها التي تتخذ من اللغة أداة فعّالة لها ، توجهها كما تشاء، فالتعامل الاقتصادي له دعاياته ووسائله في أسواق العرض والطلب ، وللتجار وأصحاب الحرف مفاهيم خاصة تتمشى مع ميولهم وأهوائهم ، و مصالحهم ، وترتبط بالأوضاع الجديدة التي تعرض لهم .(12)
وللدين كذلك أثره الفعّال في اللغة، فالمجتمع في طقوسه الدينية ، ومشاعره يسلك مسلكا لغويا ذا طابع خاص ، ولغة الدين لها ألفاظها وتراكيبها وطرائقها التعبيرية، فلننظر إلى لغة الأذان والصلاة ، والخطب الدينية والمدائح النبوية .
ونستطيع أن نلمس في لغة الأساليب الدينية ميلا إلى الإيقاعات الصوتية، والفواصل، وتتابع الأصوات، وتنغيم الكلام .(13)
سادساً :اللياقة اللغوية "الكلام الحرام "(14)
من الملاحظ أن كثيراً من المجتمعات تشترك في تحريم كلمات وعبارات متعلقة بموضوعات معينة كالموت ، والأمراض الخطيرة والخبيثة والأرواح لا سيما الشريرة وبعض الوظائف الفسيولوجية للجسم الإنساني . فكثير من الشعوب تستعمل عبارات لبقة بارعة تجنباً لاستعمال الكلمتين البسيطتين يموت ويمرض، والعربية الفصحى في الوقت الحاضر وفي إعلانات النعي على وجه الخصوص تتجنب كلمة "مات" وتستعمل موضعها "توفي إلى رحمة الله " أو " توفاه الله " أو "أسلم الروح " أو " ذهب إلى جوار ربه " .....، والخوف من الجن والأرواح والشياطين والعفاريت غالب على معظم الشعوب. والمصريون لا سيما النساء يدلون على الجن بـ"الأسياد"وأحيانا بـ"الأخوات " إشارة إلى الاعتقاد السائد بأن لكل من الإنس أخا من الجن كما يشيرون إلى "العفاريت " أحيانا ،بـ"بسم الله الرحمن الرحيم ".
والأمراض المعدية أو التي لا يرجى شفاؤها يعبر عنها بـ "الله يحمينا ، العياذ بالله ".
فبدلًا من أن نقول فلان مصاب بالسرطان ،نقول " فلان مصاب بـ : الله يحمينا ..........
المصادر والمراجع:
(1) : د.علي عبد الواحد وافي ، اللغة والمجتمع ، ط2، دار إحياء الكتب العربية ، 1951م، ص5 .
(2) :ابن جني، الخصائص ، ج1 ، تحقيق محمد علي النجار ، القاهرة ، دار الكتب المصرية ، 1952م ، ص33.
(3) : أحمد عبد الرحيم السايح ، اللغة الإنسانية ، مجلة اللسان العربي ،العدد الأول ، مجلد 9 ،1972م ، ص53.
(4) :سميح أبو مغلي ، كتابات في اللغة ، شركة الأصدقاء للطباعة، ص9.
(5) :المصدر السابق ، ص9.
(6) :ج0فندريس ، اللغة ، ترجمة عبد الحميد الدواخلي ومحمد القصاص ، القاهرة ، مكتبة الإنجلو المصرية ،1950م، ص298.
(7) : المصدر السابق، ص299 .
(8) :د.محمود السعران ، اللغة والمجتمع رأي ومنهج ، ط2 ،الإسكندرية ، دار المعارف ، 1963م ، ص66 .
(9) : د0 محمود السعران ، المصدر السابق , ص 67-68 .
(10) : د0 علي عبد الواحد وافي ، علم اللغة، ط4 ، القاهرة ، دار النهضة ، 1973 م، ص233-236 .
(11) : د0 عبد الغفار حامد هلال ، اللغة بين الفرد والمجتمع ، مجلة اللسان العربي ، العدد 23 ،1984م ، ص26 .
(12) : د0 محمود السعران ، مرجع سابق ، ص99- 108 .
(13):ج0فندريس ، مرجع سابق ، ص314-315 .
للمكان أثره في اللغة فقد لاحظ اللغويون أن لغة سكان الصحراء تختلف عن لغات سكان المناطق الأخرى من سهول ، وأراض ٍ زراعية ومدن صناعية . فلغة الصحراويين خشنة الألفاظ ، غليظة الأصوات ، فالصحراوي يحتاج إلى صوت مرتفع غليظ يسمع في الفراغ الذي أمامه ، ويصل إلى ما يريد من أماكن وليست الآية الكريمة الرابعة من سورة الحجرات إلا دليل على ارتفاع صوت البدو . يقول تعالى " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون " ولكن بعد أن تَحضَّر البدو وسكنوا المدن لاحظنا تغيراً في طرق التعبير ، وأداء الأصوات ، ونظام القواعد ، فقلَّت اللهجات ، وبرزت القرشية كلغة عامة بين العرب.(10)
وللزمان تأثيره في اللغة كذلك ، فالفرد يتأثر نطقه حسب سني عمره ، وانتقال اللغة من جيل إلى جيل يترك أثره في أصوات اللغة ومفرداتها ونظمها وتراكيبها .(11)
ونلاحظ التغير الملموس في بعض أصوات العربية فالذال أصبحت قريبة من الزاي فضلا عن فقدان الإعراب في العاميات وتقصير الحركات الطويلة أو حذفها وخلق حركات غريبة .
خامساً : اللغة والنظم الاجتماعية :
تتأثر اللغة بالنظم الاجتماعية التي تكون عليها الأمة فتحمل سمات المجتمع في النواحي السياسية والاقتصادية والدين ، فالمجتمع يطبع خواصه في هذه النواحي على لغته ، فالكلمات والتعبيرات تتمشى مع شكل النظام السياسي والاجتماعي والاقتصاد ي والديني وغيرها من النظم الاجتماعية .
فعندما يتغير الشكل السياسي تتأثر اللغة به ، فلو درسنا مثلا الألفاظ المستعملة في عصر الإقطاع ، وعصر ما بعد الثورة في أوربا ، لوجدنا أن مدلول كلمة "سيد " قد تغير .
وللحياة الاقتصادية كذلك طرائقها ونظمها التي تتخذ من اللغة أداة فعّالة لها ، توجهها كما تشاء، فالتعامل الاقتصادي له دعاياته ووسائله في أسواق العرض والطلب ، وللتجار وأصحاب الحرف مفاهيم خاصة تتمشى مع ميولهم وأهوائهم ، و مصالحهم ، وترتبط بالأوضاع الجديدة التي تعرض لهم .(12)
وللدين كذلك أثره الفعّال في اللغة، فالمجتمع في طقوسه الدينية ، ومشاعره يسلك مسلكا لغويا ذا طابع خاص ، ولغة الدين لها ألفاظها وتراكيبها وطرائقها التعبيرية، فلننظر إلى لغة الأذان والصلاة ، والخطب الدينية والمدائح النبوية .
ونستطيع أن نلمس في لغة الأساليب الدينية ميلا إلى الإيقاعات الصوتية، والفواصل، وتتابع الأصوات، وتنغيم الكلام .(13)
سادساً :اللياقة اللغوية "الكلام الحرام "(14)
من الملاحظ أن كثيراً من المجتمعات تشترك في تحريم كلمات وعبارات متعلقة بموضوعات معينة كالموت ، والأمراض الخطيرة والخبيثة والأرواح لا سيما الشريرة وبعض الوظائف الفسيولوجية للجسم الإنساني . فكثير من الشعوب تستعمل عبارات لبقة بارعة تجنباً لاستعمال الكلمتين البسيطتين يموت ويمرض، والعربية الفصحى في الوقت الحاضر وفي إعلانات النعي على وجه الخصوص تتجنب كلمة "مات" وتستعمل موضعها "توفي إلى رحمة الله " أو " توفاه الله " أو "أسلم الروح " أو " ذهب إلى جوار ربه " .....، والخوف من الجن والأرواح والشياطين والعفاريت غالب على معظم الشعوب. والمصريون لا سيما النساء يدلون على الجن بـ"الأسياد"وأحيانا بـ"الأخوات " إشارة إلى الاعتقاد السائد بأن لكل من الإنس أخا من الجن كما يشيرون إلى "العفاريت " أحيانا ،بـ"بسم الله الرحمن الرحيم ".
والأمراض المعدية أو التي لا يرجى شفاؤها يعبر عنها بـ "الله يحمينا ، العياذ بالله ".
فبدلًا من أن نقول فلان مصاب بالسرطان ،نقول " فلان مصاب بـ : الله يحمينا ..........
المصادر والمراجع:
(1) : د.علي عبد الواحد وافي ، اللغة والمجتمع ، ط2، دار إحياء الكتب العربية ، 1951م، ص5 .
(2) :ابن جني، الخصائص ، ج1 ، تحقيق محمد علي النجار ، القاهرة ، دار الكتب المصرية ، 1952م ، ص33.
(3) : أحمد عبد الرحيم السايح ، اللغة الإنسانية ، مجلة اللسان العربي ،العدد الأول ، مجلد 9 ،1972م ، ص53.
(4) :سميح أبو مغلي ، كتابات في اللغة ، شركة الأصدقاء للطباعة، ص9.
(5) :المصدر السابق ، ص9.
(6) :ج0فندريس ، اللغة ، ترجمة عبد الحميد الدواخلي ومحمد القصاص ، القاهرة ، مكتبة الإنجلو المصرية ،1950م، ص298.
(7) : المصدر السابق، ص299 .
(8) :د.محمود السعران ، اللغة والمجتمع رأي ومنهج ، ط2 ،الإسكندرية ، دار المعارف ، 1963م ، ص66 .
(9) : د0 محمود السعران ، المصدر السابق , ص 67-68 .
(10) : د0 علي عبد الواحد وافي ، علم اللغة، ط4 ، القاهرة ، دار النهضة ، 1973 م، ص233-236 .
(11) : د0 عبد الغفار حامد هلال ، اللغة بين الفرد والمجتمع ، مجلة اللسان العربي ، العدد 23 ،1984م ، ص26 .
(12) : د0 محمود السعران ، مرجع سابق ، ص99- 108 .
(13):ج0فندريس ، مرجع سابق ، ص314-315 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق