الصفحات

الجمعة، 15 مايو 2020

مقامات الزمخشري بعيدًا عن التفسير بقلم / أيمن دراوشة


مقامات الزمخشري بعيدًا عن التفسير
بقلم / أيمن دراوشة
 اشتهر المخشري عالماً في التفسير ، والحديث ، واللغة ، ولكنه لم يُعرف عند كثير من المثقفين بأنَّه كاتب للمقامات ، وهذا راجع إلى قلة الاهتمام بهذا النوع الأدبي من قبل الدارسين ،

     وقد أشار الدارسون إلى مقامات الزمخشري إشارات مقتضبة في معرض دراستهم للمقامة ، ولكنهم لم يتناولوا مقاماته بدراسات تحليلية.

     لقد كتب الزمخشري مقاماته قاصداً بكتابته التعليم ، فقد اختار الزمخشري لمقاماته موضوعاً واحداً يكرره في كل مقامة وهو الوعظ والحكمة. ولهذا السبب لم ترق مقاماته إلى رتبة مقامات البديع والحريري التي كانت تحوي عناصر العمل الأدبي الخاص بكتابة المقامة ، وهي التي تُظهر قدرة الأديب وفضله.

     غير أنَّ الزمخشري حافظ على الشكل الفني التقليدي للمقامة ، فقد جاء فيها بالمحسِّنات البديعية ، وأبرزها السجع ، ولكنه لم يُسرف كثيراً في استخدامها.

     وفي دراستنا هذه فقد حاولنا إلقاء الضوء على هذه الشخصية الفذَّة من حيث مؤلفاته القيِّمة ، ومكانته العلمية المرموقة ، واثر ثقافته في مقاماته.

     وقد توصلنا إلى مجموعة من النتائج ذكرناها في نهاية هذه الدراسة المتواضعة ، فإن أصبنا فبفضل من الله ، وإن أخطأنا فلنا أجر المحاولة ، ونسأل الله أن يجعل أعمالنا خالصة ونقية.

     وكان لا بد لثقافة الزمخشري أن يكون لها دور وأثر في كتاباته فيما بعد ، سواء كان في اللغة ، أو الحديث ، أو التفسير ، أو الأدب . فالزمخشري لغوي محدث معتزلي العقيدة ، وكان يميل إلى المذهب الحنفي ، وكان فوق ذلك شاعراً أديباً ،  فكل هذه الصفات كان لا بد لها أن تلعب دوراً في كتاباته ،  ونخص بالذكر هنا مقاماته.

     فالزمخشري لغوياً ظهر أثر هذا الجانب الثقافي في مقاماته بشكل واضح ، ويظهر ذلك في أسلوب كتابته ، حيث كان يستخدم العبارات البليغة والكلمات الوعرة قليلة الاستعمال ، فهو يقول في مقامة (التبصر ) : " يا أبا القاسم نفسك إلى حالها الأولى نزَّاءة ، فاغْزُها بسرية من الصبر غزَّاءة ، لعلك تفلُّ شوكتها وتكسرها ، وتجبرها على الصَّلاح وتقسرُها ، فإن عَصَتْ وَعَتَتْ وَعَدَتْ طَوْرَها ، وأقتْ بصحراء التمرد زَوْرَها ، وانقشعتْ عن غُلُبَتِها الغَبَرَة ، ووقعت على مصابرتك الدَّبْرَة ، وعَلِمْتَ أنَّ صبرك وحده لا يقوِّم عنادَها ، ولا يقاوم أجنادَها ......"

     ففي هذا النص نلاحظ الكثير من العبارات البليغة والاستعارات الرائعة ، وكذلك نلاحظ الخيال الواسع ، فالزمخشري يشخِّص النفس ، ويتحدث عنها كأنها شخص عاقل له نوايا وأفعال معينة.

     وكثيراً ما نجد مثل هذا في مقاماته ، فالزمخشري يستخدم التعابير البليغة التي تقوم على صحة التعبير والاستعمال ، وعلى استخدام الكلمات الوعرة مما يدل على مقدار حفظ الزمخشري واطلاعه على مفردات المعجم اللغوي ، وتقوم كذلك على استخدام الاستعارات بمختلف أنواعها ، وهذا يدل على قدرة الزمخشري الأدبية ، وتقوم على الخيال الأدبي مما يدل على شاعرية هذا الأديب ،  كما تدل على هذا الجانب الأبيات التي كان ينثرها هنا وهناك في بعض مقاماته كما تنثر الزهورعلى العروس ، فلنقرأ له وهو يقول :

أثـْــــنِ على ربِّ البشـــــــــر       على الذي أعطى الشَّبــــــــــرْ
أعطى الذي عَــيَّ الــــــورى       بحَصْـــــرِه ولا حَصَــــــــــــرْ
حَسْبُكَ مـــــــا أولاكَ مـــــــن       قلــــبٍ وَسَـــمْـــع ٍ وَبَصَـــــــرْ
وَمِــــــن لســـــــان مُطْلَــــــق      للذِّكـــــر كالسَّـــــــيف الذَّكَـــرْ
آيــــــاتُ صِـــــــدْق وعِبَـــــرْ     وهـــــنَّ آلاتُ العِبَـــــــــــــــــرْ

    ففي هذه الأبيات نلاحظ التّأثر الواضح لثقافة الزمخشري اللغوية والأدبية ، فأول بيت يشير إلى الرّجز المشهور :

الحمــــــد للــــــه الذي أعطى الشَـــــــــبَر

     فهنا يظهر أثر مخزون الزمخشري الثقافي الأدبي ، وكذلك إتيانه في هذه الأبيات بالجناس والتشبيهات الجميلة يدل على ذلك أيضاً.

     وقد كان الزمخشري معتزليَّا كبيراً ، فتأثره بثقافته العقائدية الاعتزالية يظهر واضحاً فيما كتبه من مؤلفات ومصنفات ، ومنها مقاماته ، بل لقد كان الزمخشري يدعو فيها إلى تلك العقيدة.

     وكون الزمخشري مفسراً كبيراً وهو كتاب تفسير ــ الكشَّاف ــ فقد كانت لــــــه ثقافته الدينية المستقلة في تفسير القرآن الكريم ، بل والداعية إلى مذهبه الاعتزالي ، وفي مقاماته يظهر تأثر الزمخشري الواضح بهذه الثقافة الدينية.
-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-==-=-=-=-=-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق