الصفحات

الجمعة، 3 أبريل 2020

تحت الركام .. د.إبراهيم النهر

تحت الركام
غريب ما أرى، بينما أجلس على مقهى شعبي أنتظر دوري لتوثيق بعض الأوراق من مصلحة حكومية، وقعت عيناي من بين أكوام الركام على طفل في سن العاشرة أو قد يكبرها أو يصغرها قليلا، ملابسه متسخة ومهلهلة، علق بشعره وبجبهته غبار الآجر الأبيض، يقبع خلف عمال البناء، ينادونه بأقبح الألفاظ، يشدونه من أذنيه، يركلونه بأقدامهم، ممتثل تماما لهم لم يبد تزمرا أو اعتراضا وكأنه غدا دمية، يمسح العرق عن جبينه بطرف ثيابه.

يمر من أمامي التلاميذ يحملون حقائبهم المدرسية بألوانها المختلفة، أراه يختلس النظرات إليهم من فتحتين داكنتين بوجه الممسوس، من خلف عتمة النرجيلة ومن بين ضجيج الأغاني الفلكلورية وأصوات مطارق الحدادين وأبواق السيارات التي يضج بها المكان، يجثو على ركبتيه، يحاول جاهدا حمل قالبا من الطوب الأبيض على كتفه، تترنح قدماه النحيلتان، ينهض واقفا، يلقي نظرة، يستدير، يقف، ينشب أقدامه بالأرض، يخطو بخطى ثابتة نحو البنّاء، يحمل عن كاهله الصغير القالب ليعاود الكرة، وهكذا.....

في هذه المرة اختل توازنه سقط القالب على قدمه، صرخ مستغيثا، ركضت صوبه لأنجده، لا يستطيع الوقوف عليها، حملته إلى المشفى القريب، أظهرت الأشعة كسرا بالساق، سألوني: ما قرابتك به؟
أجبت: لا أعرفه، أنا فقط فاعل خير.
استدعوا لي الشرطة، وتم عمل محضر بالواقعة.
أفصح الطفل عن هويته، لاجيء من بلد عربي شقيق، تسلل من تحت أنقاض منزلهم الذي دكته القنابل، فارا، تاركا أبويه وأشقاءه هناك تحت الركام.
د. ابراهيم مصري النهر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق