الاثنين، 3 فبراير 2020

ساعي البريد .. د.إبراهيم النهر


دائما ما يراودنا الحنين إلى الماضي، ودائما ما نظن أنه كان أجمل وأفضل من الحاضر، فبرغم التقدم المذهل في وسائل الأتصال والمراسلة الحديثة التي غيّرت من ثقافات ونمط حياة الشعوب، إلا أنها قد أخفت في طياتها عمي ساعي البريد الذي في طريقه إلى الاندثار إن لم يكن قد اندثر كما اندثر الحمام الزاجل.
لم تعد الرسالة ورقة خلفيتها قلب وورد، مكتوبة بخط اليد، ويظهر من بين حروفها وانحناءات الخط ولون الحبر والتي لكل منها دلالتها شفتا المرسل وبقعة من دموعه، ورائحة عطره التي تفوح عند فتح الرسالة..............
حولتها الوسائل الحديثة إلى حروف حاسوب.

كنا ننتظر بلهفة سماع صوت جنزير دراجته الذي كنا نعرفه به، ونخرج من البيوت مهللين عمي ساعي البريد ناقل الأشواق وحامل الأسرار، يجوب شوارع وطرقات القرية بزيه الخاص وقبعته التي تحميه من حر الظهيرة صيفا ومن الأمطار في الشتاء، وحقيبته المعلقة في كتفه والتي تحمل أشواقا وأسرارا تنوء بها الجبال.
يقف عند بيوت أصحاب الرسائل التي قد اعتادت عليها دراجته، ويفتح حقيبته ويخرج مظروفا تتلقفه قلوبهم قبل أيديهم، ومن شدة فرحهم قد ينسون أن يعزموا عليه بكوب من الشاي أو على الأقل بشربة ماء بارد من القلة التي على سور البرنده.

وكم من أشواق دُفِنت، ورسائل كُتِبت ولم ترسل لغيابه، ولكنها ظلت ذكرى جميلة في غياهب ذكريات أصحابها.
د. ابراهيم مصري النهر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق