الأربعاء، 29 يناير 2020

حوار مع مضرب مثل . أندم من الكسعي .


كتب : علي مهران
حوار مع مضرب مثل .
أندم من الكسعي .
التسرع في إصدارالأحكام دون روية أمر يتذيله الندم ، لكن ماذا يجدي الندم بعد أن نفذ الأمر ، فلم العجلة من البداية ؟!
علينا أن نعوّد أنفسنا على التريث ، وأن نستفيد من أخطاء الآخرين ، آخذين العبرة من أخطائهم ، وأن ننبذ العجلة ونتمسك بالتؤدة .
حوارنا مع رجل بيّن لنا أن التسرع في إصدارالأحكام ينتج عنه الندم ، ضرب به المثل في الندم بعد وقوع الحدث ، فقيل : أندم من الكسعي .
م : المحاور ، ض : الضيف
م : من الكسعي ؟!
ض: الكُسعيُّ : نسبي  إلى كسع ، قبيلتي  باليمن ، واسمي محارب بن قيس بن كُسعة ، يضرب بي المثل في الندم ، فتقولون : أندم من الكسعي .
كنت أرعى إبلا بوادي كثير العشب والخمض والشوحط ، فبينما أنا أرعاها بصرت بشجرة على صخرة فقلت : ينبغي أن تكون هذه قوسا فظللت أتابعها حتي كملت فقطعتها ولما جفت اتخذت منها قوسا ، وخمسة سهام ، وكنت أردد عند نحت القوس :
يارب سددني لنحت قوسي ********** فإنها من لذتي لنفسي
وأنفع بقوسي ولدي وعرسي****** أنحتها صفرا كلون الورس
,,,,,,, ,,,,,  ,, كبداء ليست كقسي النكس
ثم دهنتها وخطمتها بوتر واتخذت  من برايتها خمسة أسهم وجعلت أقلبها بين يدي وأنشدت
هن وربي أسهم حسان************* يلذ للرامي بها البنان
كأنما  قومها ميزان*********** فأبشروا بالخطب يا صبيان
,,,,,,,,,,,,,,,, إن لم بعقني الشؤم والحرمان .
وأردت أن أجرب رمحي الجديد فخرجت على مكان تسعى به الحمر الوحشية وشددت قوسي ورميت سهامي وأنا أردد .
اعوذ بالمهيمن الرحمن ***********من نكد الجد مع الحرمان .
مالي رأيت السهم في الصوان ******يوري شرار النار كالعقيان
                  أخلف ظني ورجا الصبيان .
وعندما رميت سهمي أصاب حمارا، ومن شدة الرمي اخترق السهم  الحمار واصطدم بالصخرة ، فظننت أنه لم يصب فرميت السهم الثاني وأنا أردد :
أعوذ بالرحمن من شر القدر *******لا بارك الرحمن في أم القتر
أأمغط السهم لأرهاق الضرر*******أم ذاك من سوء احتيال ونظر .
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,أم ليس يغني حذر عند قدر .
فحدث معي كما حدث في المرة الأولى رميت رميي وظننت أنني لم أصب .
فقلت :
إني لشؤمي وشقائي ونكد ********** قد شف مني ما أرى حر الكبد .
,,,,,,,,,,,,,أخلف ما أرجو لأهل وولد
فشددت قوسي ورميت رميي الثالث وظننت أنني لم أصب ، حتى جاء آخر سهم وظننت به ما ظننت بسوابقه ، ومن شدة الضيق قمت فكسرت القوس ، ثم نمت إلى جانبها حتى استيقظت في الصباح فإذا بالحمر الخمسة مسجاة على الأرض  في دمائها فندمت على كسر قوسي لدرجة أنني  قطعت إبهامي بعضة غيظ ..
وهذا نتاج التسرع فاحظروه .
وقلت : ندمت ندامة لو أن نفسي **** تطاوعني إذا لقطعت خمسي .
تبين لي سفاه الرأي مني *********** لعمر الله حين كسرت قوسي .
م : لقد قلدك في الندم الفرزدق حيث دخل في صراع مع جرير والأخطل ، عند عبد الملك بن مروان الذي جعل جائزة لمن يأتي بأفضل بيت شعر فقال الفرزدق :
أنا القطران والشعراء جربى ******* وفي القطران للجربى شفاء
وقال الأخطل  :
فإن تك زق زاملة فإني ************* أنا الطاعون ليس له دواء
وعقب جرير قائلا :
أنا الموت الذي آتي عليكم************ وليس لهارب منه نجاء
فحكم عبد الملك لجرير مبينا أن الموت يأتي على كل شيء ، فأقسم الفرزدق
لإن خسر الرهان الشعري كما خسره في المرة الأولى ليطلقن زوجته نوار وكان يعشقها عشقا جما ،  فقال في المرة الثانية :
فإني أنا الموت الذي هو واقع** ****بنفسك فانظر كيف أنت مزاوله .
وما أحد يا بن الأتان بوائل *******من الموت إن الموت لا شك نائله
فرد جريرعليه  قائلا :
أنا البدر يعشي نور عينيك فالتمس ******بكفيك يا بن القين هل أنت نائله .
أنا الدهر يفني الموت والدهر خالد ********فجئني بمثل الدهرشيئا يطاوله .
 م : فحدث أن خسر الرهان الشعري ، فأبدى ندمه على الشرط ،
ولم يجد بدا من تنفيذ شرطه ( طلاق نوار )
فقال في ذلك :
ندمت ندامة الكسعي لما **************غدت مني مطلقة نوار .
وكانت جنتي فخرجت منها**********كآدم حين لج بها الضرار .
وكنت كفاقئ عينيه عمدا **********فأصبح ما يضيئ له النهار.
ما شعرتَ به ، وما شعر به الفرزدق يشعر به كثير من الناس في زماننا يا كسعي ، فكلهم يتسرعون ويقعون في الندم بعد وقوعهم في المحذور  .
ض: فعلا ، فهذا طبع البشر ،
م: أرايتك إن كان الندم يموج في الدماء ؟ ، فبم  تنصح الناس يا كسعي ؟!
ض: إلا الدماء فما دونه يعوض ، والإنسان في فسحة من أمره ببعده عن الدم .
م: صدقت يا كسعي  فقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم - :" لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب نفسا حراما ".
لكن ما يزيد الأمر أسفا وندما أن الناس قد عشقوا الإسراف في الدماء وتناسوا قول الله  - تعالى - : " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما " فتعاظمَ العقاب لتعاظم الذنب ، فالله نسأل يا كسعي أن يهدي الناس جميعا ، ولا ينساقون وراء التسرع الذي يعقبه ندم .
وأخيرا جاءت اللحظة التي نخشاها ، ألا وهي لحظة الوداع ، وداعا يا كسعي .
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق