انتظار (١)
-------
يجلس في سكون عجيب ..يضم كفيه ويضعهما بين ركبتيه محاولا ان يقيهما البرد .. محاولات مضنيه بذلتها والدته حتي تقيه البرد
كوفية والده والتي لفتها حول عاتقه ...وتلك الجوارب الصوفيه التي البسته اياها ليضع بها اطراف بنطاله .. وشراب الينسون الدافئ
الذي قدمته له قبل ان يخرج من منزله ..ولكن ها هو يرتعش من اطرافه وهو يجلس علي ذلك المقعد الخشبي القديم .. بمحطة القطار ..
ينتظر والده ... منزلهم البعيد في أعماق القرية ...والامطار التي هطلت منذ الصباح الباكر ..جعلت والدته تصر علي ان يذهب راكبا
حمار والده لينتظره علي محطة القطار ...يزفر الحمار ..فيلتفت اليه وهو رابض علي الأرض وكأنه يشاركه الاحساس بالبرد ...
....حفيف أوراق الأشجار من حوله ... يشق الصمت من حوله ... ونور باهت من المصباح الوحيد علي رصيف المحطة ..
مع شدة الريح يهتز المصباح .. فتتحرك الظلال الباهته ...حركة عشوائية مخيفة ...والوقت بطئ ..والانتظار لا ينتهي ...
يضم قدميه الي جسمه بعنف ويلتصق بظهر المقعد الخشبي .. يحاول جاهدا معرفة الوقت ...ربما تكون الساعة الآن قد قاربت العاشرة
مساء... ربما في نهاية العام ستكون له ساعة رقمية يعرف بها الوقت ....وعده والده بشرائها لو نجح في الشهادة الابتدائية ...كما فعل
مع اخته منذ عامين ... نعم أظنها العاشرة الآن ..لحظات وسيأتي القطار ..لينزل منه والده ..ويربت علي كتفيه ...انت رجل كبير ..
لم تخف وانتظرتني ... سيركب خلفه علي الحمار ...ليعود الي والدته والي الدفئ .. ليجلس مع والده حول نار الركيه ووالدته تقدم العشاء
لهما ... ولينام في أحضان والده ...والذي سيضمه تحت بطانيته الصوف ...فينام قريرا .... يزفر الحمار ثانية فيفيق من تخيله ...
مر الوقت ...ولم يأتي القطار .... بدأت قطرات من الماء في التساقط ..ببطء .. يبحث عن مكان يتواري به من المطر ... تحدثه نفسه
بالعودة الي البيت ... وفي حيرته ... يترامي الي مسامعه صوت من بعيد ... يحاول ان يستبين الصوت ...وقد زادت قطرات الماء وصار مطرا ... يقترب الصوت رويدا رويدا ... صافرة طويلة ...ومعها الأمل ..انه صوت القطار ...ينظر بلهفة .. وقد افقده المطر القدرة علي تمييز الصورة ...لا يري شيئا ...الصوت يقترب .. يقترب .. ولا يري شيئا ... وفجأة يصم الصوت أذنه .. وها هو القطار بجانبه ...
ولكن ... لقد اتي القطار من خلفه ... انه ليس ما ينتظره ... انه القطار الذي يسبقه .. يسمع كلمات من ركاب القطار ...الساعة الآن التاسعة والنصف ....يمضي القطار الي حالي سبيله ... يعود الصمت ليلف المكان ... يرجع بهدوء ليجلس علي المقعد القديم ..ابتلت ملابسه ..وابتل كل شئ من حوله ... المطر يتزايد .... يضم قدميه الي جسمه بقوة أكثر ...ينظر الي المصباح الوحيد علي رصيف المحطة ...
وما زال ينتظر ...
---------------
٨ ابريل ٢٠٠٨
م م ربيع
-------
يجلس في سكون عجيب ..يضم كفيه ويضعهما بين ركبتيه محاولا ان يقيهما البرد .. محاولات مضنيه بذلتها والدته حتي تقيه البرد
كوفية والده والتي لفتها حول عاتقه ...وتلك الجوارب الصوفيه التي البسته اياها ليضع بها اطراف بنطاله .. وشراب الينسون الدافئ
الذي قدمته له قبل ان يخرج من منزله ..ولكن ها هو يرتعش من اطرافه وهو يجلس علي ذلك المقعد الخشبي القديم .. بمحطة القطار ..
ينتظر والده ... منزلهم البعيد في أعماق القرية ...والامطار التي هطلت منذ الصباح الباكر ..جعلت والدته تصر علي ان يذهب راكبا
حمار والده لينتظره علي محطة القطار ...يزفر الحمار ..فيلتفت اليه وهو رابض علي الأرض وكأنه يشاركه الاحساس بالبرد ...
....حفيف أوراق الأشجار من حوله ... يشق الصمت من حوله ... ونور باهت من المصباح الوحيد علي رصيف المحطة ..
مع شدة الريح يهتز المصباح .. فتتحرك الظلال الباهته ...حركة عشوائية مخيفة ...والوقت بطئ ..والانتظار لا ينتهي ...
يضم قدميه الي جسمه بعنف ويلتصق بظهر المقعد الخشبي .. يحاول جاهدا معرفة الوقت ...ربما تكون الساعة الآن قد قاربت العاشرة
مساء... ربما في نهاية العام ستكون له ساعة رقمية يعرف بها الوقت ....وعده والده بشرائها لو نجح في الشهادة الابتدائية ...كما فعل
مع اخته منذ عامين ... نعم أظنها العاشرة الآن ..لحظات وسيأتي القطار ..لينزل منه والده ..ويربت علي كتفيه ...انت رجل كبير ..
لم تخف وانتظرتني ... سيركب خلفه علي الحمار ...ليعود الي والدته والي الدفئ .. ليجلس مع والده حول نار الركيه ووالدته تقدم العشاء
لهما ... ولينام في أحضان والده ...والذي سيضمه تحت بطانيته الصوف ...فينام قريرا .... يزفر الحمار ثانية فيفيق من تخيله ...
مر الوقت ...ولم يأتي القطار .... بدأت قطرات من الماء في التساقط ..ببطء .. يبحث عن مكان يتواري به من المطر ... تحدثه نفسه
بالعودة الي البيت ... وفي حيرته ... يترامي الي مسامعه صوت من بعيد ... يحاول ان يستبين الصوت ...وقد زادت قطرات الماء وصار مطرا ... يقترب الصوت رويدا رويدا ... صافرة طويلة ...ومعها الأمل ..انه صوت القطار ...ينظر بلهفة .. وقد افقده المطر القدرة علي تمييز الصورة ...لا يري شيئا ...الصوت يقترب .. يقترب .. ولا يري شيئا ... وفجأة يصم الصوت أذنه .. وها هو القطار بجانبه ...
ولكن ... لقد اتي القطار من خلفه ... انه ليس ما ينتظره ... انه القطار الذي يسبقه .. يسمع كلمات من ركاب القطار ...الساعة الآن التاسعة والنصف ....يمضي القطار الي حالي سبيله ... يعود الصمت ليلف المكان ... يرجع بهدوء ليجلس علي المقعد القديم ..ابتلت ملابسه ..وابتل كل شئ من حوله ... المطر يتزايد .... يضم قدميه الي جسمه بقوة أكثر ...ينظر الي المصباح الوحيد علي رصيف المحطة ...
وما زال ينتظر ...
---------------
٨ ابريل ٢٠٠٨
م م ربيع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق