عسل شهر وغربة دهْر
هيثم النوبي
فرحتُه بزوجته الجميلة جعلته يتمنَّى ألا يَمضي شهرُ العسل، ولكنَّه مرَّ سريعًا، وانتهت إجازتُه السنوية، ووجد نَفْسه يُودِّع عروسَه بالدموع والقُبلات، وتوجَّهَ إلى المطار ليُحلِّق بقلب مُنفطِرٍ؛ ليطير إلى لقمة العيش، استقبلتْه الغربةُ بصدر غير رَحْب، ولم يبقَ له من رِباط الزواج إلا خيطٌ رفيعٌ، يكاد يَنقطِع لو انقطع الاتصالُ بزوجته، فقال لها شاكيًا بعض همِّه:
• لما وصلنا إلى الغابة تحوَّل رِفاقي إلى ذئابٍ وأفاعٍ وقرودٍ، ولكنني فضَّلْتُ أن أبقى إنسانًا.
أجابتْه بهمٍّ يَزيد همَّه، وقالت: تركتني عروسًا في شهر العسل والآن ينال مني السرطان.
خرَّ ساجدًا باكيًا مُتضرِّعًا إلى الله ليَشفي زوجتَه، وكلَّ ليلة كان يُقبِّل صورتَها، ويمسح دموعَه التي بلَّلت الصورةَ، وكأنه يمسح دموعَها، حتى أرسلت له صورتَها، وقد حلقتْ شعرَها واصفرَّ وجهُها، فازداد حُزْنه، ولولا حاجتُه لنفقات علاجها لهَجَر الغربة، وعاد إلى أحضان المودَّة والرحمة.
خمسة أعوام قضاها كادحًا من أجل حبيبته حتى استأصلت الورمَ الخبيثَ، وشفاها الله من السرطان، ولما رأى صورتَها بعد الشفاء ابتَسَم وانشرح صدرُه، وسجد لله شاكرًا وباكيًا، وعاد مِن سفره لا يَحمِل إلا بعضَ الملابس والهدايا، هي كلُّ ما تبقَّى له من سنين الغُرْبة، أما قلبه فكان يَحمِل جبالَ شوق وحبٍّ، وعقله يُكرِّر ذكريات شهر العسل، ولكن زوجته استقبلته بقِناع غير قِناع العروسِ الذي أتقنته في شهر العسل، صدمته بنُشوزِها، وكما استأصلتِ السرطان استأصلته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق