الجمعة، 22 أغسطس 2014

سميح القاسم ,, الفراشة تحلّق باتجاه الشمس



الفراشة تحلّق باتجاه الشمس
يتعثر الحلم أخيرًا في أحجار الواقع، فتستيقظ الفراشة من بياتها الشعري لتحلّق إلى أرض غير الأرض التي ألفناها، تترك خلفها أثر الرمز في " دمي على كفّي " وصدى يتردّد في " أغاني الدروب " وتمضي فاردة أحلامها تحت " مواكب الشمس " .
سميح القاسم بوجه يغرق في طفولية تكفر بضجيج العمر، وملامح هدوء يستوطن عشّ حمامة، وسؤال يبدأ من فلسيطنه وينتهي إليها.
سميح القاسم وهو يطير فوق " دخان البراكين " وفي قلبه حلمه الصغير " ويكون أن يأتي طائر الرعد "...

سميح القاسم الذي تأمل الحقيقة بماء الشعر، وعثرة الإنسان، وقلب الصوفي وهو يرى " سقوط الأقنعة " في " موته الكبير " .
هذا الطفل الذي ما ملّ الركض في براري الشعر، ففي كل خطوة كان يسحب الأشواك من قدم الرّيح كي تنطلق به أبعد، وفي فمه سؤاله المعلق على مشجب الرّوح " إلهي إلهي لماذا قتلتني؟ "
وهي حسرة الطفل حين تندلع في غابات النفس فلا تُخمد بغير ماء الشعر..
أنا لا أحبك يا موت
لكنني لا أخافك
أعلمُ أنّي تضيق عليّ ضفافك
وأعلمُ أن سريرك جسمي
وروحي لحافك
أنا لا أحبك يا موت
لكنني لا أخافك .
ومن هذا اللاخوف أسّس سميح مع صديق شعره محمود " أدب المقاومة " وكانت المسيرة التي بوأته كرسي الشعر الذي شُغِلَ به عنه في حياة حفلت بالقضية، قضية تحرير الأرض من أشواك الجور، وتحرير الإنسان من ربقة البغي والتسلّط، وتحرير القيم من التلفيق، وهو ما أسّس لتحرير شعره الذي امتد على طول أكثر من خمسين عملا إبداعيا، فكان إبداعه علامات فارقة في سماء الشعرية العربية، وأيقونات يعتدّ بها..
فعرفت قصائده الترجمة إلى لغات متعددة، وكتب في أكثر من ضرب فنّي فمن الشعر إلى القصة إلى المقالة إلى المسرح إلى الترجمة. كان سميح يسابق أيام الحياة بهذه الولادة التي سوف تبقيه على قيد الحضور، وتعزّز قيمته كشاعر له بصمته المتفرّدة على ديوان الشعر العربي والعالمي.
هو إذن لا يخاف الموت ولا يحفل به، وهو الذي توزّعت سنوات عمره بين السجن والإقامات الجبرية والطرد من عمله والتهديد بالتصفية الجسدية. فلم يزده ذلك إلاّ إصرارا بمشي انتصبت فيه قامته حتى قاربت السحاب ولامست روح الشمس التي أيقظت فراشته من بياتها الشعري لتحلّق بعيدًا، بعيدًا ..
وتترك لنا على أوراق الحياة أثر أغنية ستنشدها أجيالنا القادمة في انتظار أن تشرق شمس الحقّ..
وداعا سميح ونحن نحفظ وصايا قلبك.. أنتَ الذي لا تحبّ الموت، لكنك أبدًا لا تخافه.
مريم الترك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق