الأحد، 24 يوليو 2022

حوار مع د. حمدي السروجي .. آيه ياسر

 

د. حمدي السروجي: محاولات سرقة التاريخ والحضارة المصرية لا تتوقف


 





عاد إلى السطح مؤخراً الحديث عن حركة الأفروسنتريك ومزاعم تنسب الحضارة المصرية القديمة إلى الأفارقة سود البشرة، وهي إحدى حركات التعصب العرقي التي بزغت في عشرينات القرن الماضي، لكنها ظهرت مجدداً خلال السنوات الأخيرة، بعد خفوتها، وراحت تنشر الأكاذيب حول الحضارة الفرعونية.

وللوقوف على حقيقة تلك الحركة المشبوهة والرد على مزاعمها كان لنا هذا الحوار مع الدكتور. حمدي السروجي، أستاذ الآثار والحضارة المصرية القديمة بكلية الآداب بجامعة طنطا:

متى ظهرت تحديدا ً حركة الأفروسنتريك؟

ظهرت فكرة "الأفروسنتريك" مع بداية القرن ال 19، وربطت آنذاك بين الأفارقة السود والمصريين القدماء، حتى خرج لنا السنغالي "شيخ انتا ديوب" بكتاب عن "الأصول الزنجية للحضارة المصرية" وامتدت مزاعمه إلى الشمال الأفريقي بالكامل، والغريب أن هذه الأفكار نشأت عن "الأفرو أمريكان" أي أن مصدرها الولايات المتحدة الأمريكية، أكثر بلدان العالم تمييزاً للجنس الأسود، فكان من الأحرى أن يحاول أصحاب هذه الأفكار دعم السود الأمريكان بدلاً من وضع رؤوسهم في الرمال كالنعام والبحث عن الحقوق في مكان آخر.

وما علاقتها بالحضارة المصرية القديمة ؟

على أية حال، إن محاولات سرقة التاريخ والحضارة المصرية لا تتوقف، وكان للهرم الأكبر تحديداً النصيب الأكبر، فتارة يزعمون أن بناة الأهرامات هم قوم عاد، وتارة أخرى يزعمون أنه بني بالسخرة، واليوم ينسب للأفارقة سود البشرة، فكلما فشلوا في اثبات باطل توجهوا إلى محاولة أخرى لعلها تؤتي بثمارها.

كيف يمكن الرد على مزاعم الأفروسنتريك بأن الحضارة المصرية القديمة والأهرامات بناها أفارقة سود البشرة؟

الأهرامات مصرية، شيدت بأيادي مصرية ليس لقوم عاد علاقة بالأمر، ولا الكائنات الفضائية، فكل خطوات مراحل تشييد الأهرامات مسجلة وموثقة على الآثار المصرية القديمة، فهل يعقل أن يكون الهرم الأكبر الذي ساهم في بناؤه مالا يقل عن مئة ألف عامل على مدار عشرون عاماً ذو بشرة سوداء!! كيف للمصريين القدماء أن يأتوا بمثل هذا العدد؟ كما أن الملك المصري "خوفو" صاحب الهرم الأكبر على سبيل المثال كان مؤلهاً (يقدسوه كإله) لدى المصريين القدماء وبالتالي فإن مقبرته وهي الهرم الأكبر بنيت بالود والرغبة، فالمصري القديم أراد أن يشارك في بناء يخص الإله، أي أنه عمل مقدس!! فكيف أنه بني بالسخرة؟ وكيف لغير مصري أن تتجلى عنده الروحانيات لكي يصل إلى هذه الدرجة من الرغبة في البناء!؟. كل هذه الأمور بلا شك تنفي المزاعم المريبة التي تهدف دائماً للنيل من مصرية الأهرامات. 

 

يزعم الأفروسنتريك أن التماثيل الفرعونية أغلبها باللون الأسود وان المصريين هجّروا أهل النوبة قديماً.. فما مدى صحة تلك المزاعم؟

يزعمون كما يشاءون، فخير دليل للرد على هذه الادعاءات هو ذلك الإرث الذي تركه المصريون القدماء من أعمال فنية نحتية عظيمة يأتي على رأسها التماثيل التي كان أغلبها منحوتاً من الحجر الجيري الأبيض خاصة في الدولة القديمة!! ولما زادت خبرة الفنان المصري القديم وأصبح يجيد التعامل مع الأحجار الصلبة كالجرانيت والديوريت بدأ في استخدامها بجانب الحجر الجيري إذ انها أشد صلابة ويمكنها تحمل عوادي الزمن والصمود لأطول فترة ممكنة، خاصة وأنه كان ينشد الانتقال للعالم الآخر والحياة الأبدية، حتى في بعض الأحيان عندما ظهرت بعض التماثيل القليلة المنحوتة من الحجر الجيري والمطلية بالأسود كتمثال الملك "نب حبت رع" المحفوظ بالمتحف المصري بالقاهرة من الأسرة الحادية عشرة، فكان الغرض هو التشبه بالمعبود "أوزير" الذي صور بالأسود ككناية عن أرض مصر الطينية السوداء، كما صور بالأبيض أيضاً كمومياء محنطة، هذا فضلا عن اللون الأخضر، فهل يعقل هنا أن ننسب كل لون لجنس معين!!.

هل صحيح زوجة امنحوتب الثالث كانت اصلا افريقية الأصل وسوداء البشرة؟

 أما الملكة "تي" زوجة الملك "أمنحتب الثالث" فكانت من دماء مصرية خالصة لأبوين مصريين من عامة الشعب، حتى وإن كانت بشرتها غامقة بعض الشيء! فإنها لم تكون سوداء اللون، ولو أفترضنا جدلاً أنها من أصول أفريقية فهل هذا يعني أن الحضارة المصرية بأكملها من أصل أفريقي!! فزوجها الملك "أمنحتب الثالث" له زيجات دبلوماسية من أجنبيات مثل ابنة ملك ميتاني فهل هذا يعني أن الحضارة المصرية لها أصول ترجع لبلاد ما بين النهرين!؟ بالطبع لا ولا يجوز حتى مجرد الإشارة لهذا الأمر.

 

ما هي خطورة ادعاءات الأفروسنتريك على الوعي والتاريخ وسمعة الحضارة المصرية القديمة في الخارج؟

سمعة الحضارة المصرية لا تحتاج لمن يدافع عنها، فمصر بدأت قبل أن يبدأ تدوين التاريخ، ولكن هذه الادعاءات يدعمها أطراف ومنظمات تعي جيداً ما تفعله وتحاول طمس الهوية المصرية، وبالتالي فهي حرب هوية، ولا ننسى أن مصر هي الحصن والأمان لكل المنطقة العربية، فلما فشلوا في الحروب التقليدية، توجهوا إلى حروب من نوع خاص تستهدف الشباب المصري من خلال تغيير أفكاره ومعتقداته ومن ثم هويته، وهنا يجب الحذر وأن نكون مستيقظين جميعاً.

ما هو لون البشرة الحقيقي لقدماء المصريين؟  

بالنظر إلى المناظر المصرية القديمة سواء على جدران المعابد أو المقابر أو اللوحات، سنجد أن المصري القديم بجنسيه رجال ونساء يتشابهون مع بشرتنا حالياً، فالرجال صوروا بلون أحمر نتيجة تعرض جلدهم لأشعة الشمس، أما النساء فصورهن بلون بيج فاتح أو مصفر نتيجة لجلوسهن ومباشرة أعمال المنزل بعيداً عن أشعة الشمس، حتى في الأسرة الخامسة والعشرين المعروفة باسم الأسرة "الكوشية" والتي يتشدق بها "الأفروسنتريك" أصحاب هذه الأفكار الشاذة، صوروا بملامح تعبر عن هويتهم الافريقية، أما باقي المصريين آنذاك فصوروا بملامح مختلفة عن الكوشيين وهي الملامح المصرية التي اعتدنا رؤيتها منذ بداية التاريخ المصري، وبالنظر في التاريخ المصري القديم سنجد أن من أثر على الكوشيين هم المصريين وليس العكس، حتى أنهم اعتنقوا ديانة المعبود المصري "آمون" وأقاموا له منطقة عبادة في "جبل برقل" وتعلموا اللغة المصرية القديمة، ولما تعرضت مصر للغزو الآشوري وقضى الآشوريين على هذه الأسرة عادوا إلى النوبة وتركوا العادات المصرية وتبنوا عادات جديدة خاصة بهم، ثم ان "الأفروسنتريك" الذين وجدوا من الأسرة الكوشية ملاذاً لهم لترويج أفكارهم الشاذة نسوا بأن الهرم بني في بداية الأسرة الرابعة، بينما الكوشيون كانوا في الأسرة الخامسة والعشرين!!!.

 

ما تعليقك على تغيير لون البشرة في جدارية المترو التي أثارت الجدل قبل إزالتها، لتتطابق مع بشرة الأفارقة؟

يبدو لي أن الفنانة صاحبة هذه الجدارية والتي وُكِل إليها عمل جداريات هذه المحطة غير مُلمة بقواعد الفن المصري القديم، وكما قرأنا في مختلف الأخبار أن الجداريات الأخرى لنفس الفنانة طالها الكثير من الاتهامات أيضاً، وبالتالي كان لابد أن تستعين بمتخصصين في الحضارة المصرية القديمة وتحديداً الفن المصري القديم، فالمناظر المصورة لا تحمل روح المناظر المصرية القديمة وهي بعيدة عنها تماماً، فهي تذكرنا بأعمال حديثة تشبه في هيئتها مثلاً الأعمال الفنية للفنان الكبير "محمود مختار"، وبالتالي ربما استغل "الأفروسنتريك" عدم إلمام الفنانة الشابة بقواعد الفن المصري القديم وحاولوا الترويج لأفكارهم الشاذة، وفي رأيي لن يتوقفوا وسيحاولون جاهدين استغلال أي فرصة لإثبات مزاعمهم حتى تموت هذه الفكرة ويبدأون في الترويج لفكرة أخرى، وبالتالي علينا أن نكون مستعدين للزود والرد عن حضارتنا المصرية العريقة. 

 

أخيراً كيف يمكننا التصدي لأولئك المغرضين وأصحاب الأجندات المشبوهة؟

 أتمنى أن يكون لوزارة الآثار ووزارة الثقافة وكل الوزارات المعنية دور في الرد على مثل هذه المزاعم من خلال متخصصين على قدر من المعرفة والثقافة، فضلاً عن نشر الوعي والتعريف بقيمة حضارتنا المصرية القديمة، فالدولة الحديثة التي نشيدها هي جزء من حضارة ضاربة في أعماق التاريخ.

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق