الجزء الثاني:
ثالثاً: اللغة والجنس :
رأى بعض الباحثين أن اللغة تختلف من حيث بنيتها ونظمها، ومجاراتها للحياة والأحداث ، باختلاف الناطقين بها من الشعوب حسب طبيعتهم ، فلغات مجعّدي الشعر تختلف عن لغات مُلَّس الشعر ، ولغات مستطيلي الرؤوس غير لغات مستديري الرؤوس .(6)
وارتبط ذلك بالحديث عن طبيعة اللغات المختلفة –على حد تعبيرهم – فهي تعجز عن التعبير عن المعاني الكلية ، وتفتقد إلى الحيوية ، وهي لغات قاصرة عن التعبير عن متطلبات الحياة الراقية ولا يمكن لها في أي وقت أن تتطور إلى الحد الذي وصلت له اللغات الأوربية الراقية .(7)
يقول محمود السعران "لقد أغرى بعض اللغويين بإيجاد روابط بين اللغة والجنس ، واستغلت بعض المذاهب السياسية التعصب للجنس والزهو بلغته واتخذتها ذريعة لفرض سلطانها على شعوب تنتمي إلى أجناس أدنى من لغتهم فالعالم فردريك موللر قد أنشأ كتابه على أساس من هذه الفكرة ، فصنف اللغات طبقا للميزات الإتنولوجية ، فاستعرض لغات الشعوب المجعّدة الشعر واحدة فواحدة ، ثم لغات الشعوب الناعمة الشعر."(8)
والحق أنه لا علاقة ضرورية بين المميزات الجنسية كلون الشعر وتجعده أو نعومته ، ولون العينين وهيئتهما ، ولون البشرة ، وشكل الرأس ، وما إلى ذلك وبين قدرة الناس على التفكير ، أو على تعلم لغة من اللغات ومن الأدلة القريبة الحاكمة بفساد هذا الربط بين اللغة والجنس أن من اللغات ما يستفيض حتى يكون لغات جماعات تنتمي إلى أجناس مختلفة ، وهذه الجماعات على اختلافها في الجنس تجيدها ولا تأنس مشقة في تعلمها ، وذلك شأن الإنجليزية والعربية مثلا . والزنجي والإفريقي الذي يُربَّى منذ طفولته الباكرة في إنجلترا في ظروف واحدة مع الأطفال الإنجليز يتكلم الإنجليزية كما يتكلمها أبناؤها .(9)
وعلماء الإنثروبولوجيا يعثرون على جماجم بشرية يحددون أنواعها ، المستدير والمستطيل لكنهم بلا شك عاجزون عن معرفة لغات أصحابها.
أما الحديث عن اللغات المختلفة واللغات الراقية فهو غير موضوعي ، فاللغات التي تتسم بسمات (بدائية ) يمكن أن تتحول إلى راقية لو انفتح المجال أمامها ، وأتيحت لها ظروف التغير تبعاً للتحولات الاجتماعية .
رابعاً :اللغة والمكان والزمان :
للمكان أثره في اللغة فقد لاحظ اللغويون أن لغة سكان الصحراء تختلف عن لغات سكان المناطق الأخرى من سهول ، وأراض ٍ زراعية ومدن صناعية . فلغة الصحراويين خشنة الألفاظ ، غليظة الأصوات ، فالصحراوي يحتاج إلى صوت مرتفع غليظ يسمع في الفراغ الذي أمامه ، ويصل إلى ما يريد من أماكن وليست الآية الكريمة الرابعة من سورة الحجرات إلا دليل على ارتفاع صوت البدو . يقول تعالى " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون " ولكن بعد أن تَحضَّر البدو وسكنوا المدن لاحظنا تغيراً في طرق التعبير ، وأداء الأصوات ، ونظام القواعد ، فقلَّت اللهجات ، وبرزت القرشية كلغة عامة بين العرب.(10)
وللزمان تأثيره في اللغة كذلك ، فالفرد يتأثر نطقه حسب سني عمره ، وانتقال اللغة من جيل إلى جيل يترك أثره في أصوات اللغة ومفرداتها ونظمها وتراكيبها .(11)
المصادر والمراجع:
(6): فندريس ، اللغة ، ترجمة عبد الحميد الدواخلي ومحمد القصاص ، القاهرة ، مكتبة الإنجلو المصرية ،1950م، ص298.
(7): المصدر السابق، ص299 .
(8):د.محمود السعران ، اللغة والمجتمع رأي ومنهج ، ط2 ،الإسكندرية ، دار المعارف ، 1963م ، ص66 .
(9): د.محمود السعران ، المصدر السابق , ص 67-68 (10): د.علي عبد الواحد وافي ، علم اللغة، ط4 ، القاهرة ، دار النهضة ، 1973 م، ص233-236 .
(11): د. عبد الغفار حامد هلال ، اللغة بين الفرد والمجتمع ، مجلة اللسان العربي ، العدد 23 ،1984م ، ص26 .

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق