الجمعة، 1 نوفمبر 2019

قطة أخرى .. قصة قصيرة .. داليا رأفت




رائحة الشواء تملأ أنفي، ودخانه يصنع سحبًا في الفضاء المحيط بمطعم العم "بكير" 
أجلس بالقرب من الباب الرئيسي أتلمظ، لكني أتظاهر بالقناعة والشبع. 
أصوات اصطكاك الملاعق والأطباق يثير ضيقي، ويؤلم رأسي لكني أظهر عدم اكتراثي، أتكأ على قدمين  بينما أمد قدمين للأمام في تراخٍ يغيظ بقية القطط التي تنتشر بين الطاولات وحول الأواني الملقاه في مؤخرة المطعم.
يضايقون العم "بكير"فيركلهم حينا ويطردهم حينا؛ فيزيد حنقهم على وجودي، عندما يشاهدون الجميع يلقاني بابتسامة، أو تحية، ينظر لي العم "بكير"في زهو؛ فأهز ذيلي وأموء في خجلٍ منتظرة منه قطعة دهن يرميها لي بالقرب منه نكاية في الآخرين أو قطعة اللحم المتبقية من أحد زبائنه والمقضومة في حزءٍ منها، الملوثة بآثار لعابه.
أتناولها مرغمة فهذا أفضل ما يمكنني الحصول عليه في هذا الحي الشعبي وذلك المطعم الرخيص.
فإن تعاليت؛ لن أجد إلا صناديق القمامة أبحث في النفايات، أفتش في القاذورات، وأخوض معارك مع هؤلاء المتربصون من قطط الحي والذين يعتبرونني زائر غير مرغوب فيه.
لا يعلمون مدى معاناتي، وقد كنت مدللة، أحظى بحياة مرفهة، مترفة، وأنا بالقرب من صديقتي "حور" التي كانت تناديني "كيتي"وقد عشت في كنفها منذ أن اشترتني وأنا حديثة الميلاد حياة مريحة، ناعمة، رغدة، وسعيدة.
 كنت اتناول طعام يُطهى خصيصا من أجلي، وتنقط فيه "حور"بيديها الصغيرتين نقط الفيتامين؛ من أجل صحتي، وأتحمم بسائل استحمام خاص، أتنزه بصحبتها صباحا، يتمنون رضاي ويلتفون حولي في قلقٍ إذا توعكت أوأصابني اكتئاب.
وصرت أتمرغ في الهناء وأبادلهم مودة بمودة، حتى أخبرهم الطبيب أني أعاني مرضا ما عُرف حديثًا وغير منتشر..
وقد يؤذي المحيطين وخصوصًا "حور".
ساد الذعر بين سكان المنزل، وحرك الخوف كل تصرفاتهم، وكلامهم، ورغم أن الطبيب كان قد بين أن العلاج في إمكانه لكنه سيتطلب مساحة من الوقت وأن دواء الداء متوفر لكن يتطلب صبر، إلا أن الأب لم يطق صبرًا، ولم تحاول الأم إقناعه ببقائي، لكنها سخرت جهدها لإقناع ابنتها للتخلي عني قائلة: ما الذي يجبرنا على الإحتفاظ بقطة مريضة مرض خطير قد يؤذينا، ولماذا نتحمل جهد رعايتها وتكلفة تمريضها، وبإمكاننا إحضار خيرًا منها.
بكاء" حور" وامتناعها عن الطعام لم يحبط محاولات والديها في إثنائها عن التمسك بي؛ سرعان ما أحضر الأب قطة أخرى جديدة، ومنحها اسمي، وكان آخر عهدي بهم؛ أن رأيتهم حول "كيتي" الجديدة، يمازحونها ويلاطفونها كما كانوا معي يفعلون.
مسحت" حور" دموعها واحتضنت صديقتها وذهبت تعرفها على أشيائها.
وأنا خبؤني في كيس أسود وبممر جانبي بعيد ألقوا بي، غريبة، وحيدة، مريضة، أرى الدنيا لأول مرة.
لم يودعنِ أحدهم الوداع الأخير ولم يأسف أحدهم من أجلي.
ليتني استطعت تحذير "كيتي" الجديدة من ظلم البشر.

داليا رأفت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق