الصفحات

الجمعة، 22 أغسطس 2014

كيف يذهب الروائي إلى التاريخ؟ إبراهيم عبدالمجيد

- كُتُب المؤرخين القدامى عن التاريخ هي مصدرنا عنه وكذلك ما خلفه الأجداد من آثار . عشرات ومئات وآلاف الكتب عادة هي المرجع الأول لمن يريد أن يكتب رواية تاريخية خاصة وأن ما كتب على الآثار احتوته الكتب أيضا فيما بعد.
- سميت الرواية التاريخية بذلك لأن أحداثها تكون عن زمن لم يعشه القراء المعاصرون لصدور العمل. كما أنها تعيد مشاهد من التاريخ وبشراً ماتوا ولم تعد ممكنة رؤيتهم أو العودة إليهم لنسمع منهم.
- لماذا يعود الروائي إلى التاريخ للكتابة عن أحداثه وشخصياته؟ لأن للتاريخ عطراً. ولأن النوستالجيا حالة إنسانية ترافق الإنسان حتى الممات. والحنين إلى الماضي لا يتوقف عند ما عاشه الكاتب، ولكن قراءاته التاريخية قد تجعله يريد استعادة صفحات من التاريخ تزيد الروح تألقاً وبهجة وتقوي من الإرادة الإنسانية. وأيضا قد تكون تعويضاًعن آلام الحاضر.
- وحسب موهبة الكاتب تكون الكتابة، فالموهبة تتفاوت من كاتب إلى آخر. وحسب رؤيته أيضاً تكون الكتابة، فهناك من ينتصر للناس العاديين ومن ينتصر للحكام. وبالطبع كل الكتاب ينتصرون لأهلهم حكاماً ومحكومين أمام الغزاة .
- الرواية التي تتحدث عن نضال شعب ما أمام الغزاة هي الأسهل. ومن البداية تعرف أن الكاتب سينتصر لأهله على الغزاة.
- والرواية التي تعيد تفسير الأحداث سهلة أيضاً لأن الكاتب المثقف من البداية صاحب وجهة نظر، وسيختار من الأحداث ما يؤكد وجهة نظره ويستبعد غيرها. وهنا يكون انتقل من «الفن» إلى «التأريخ». فالفن الحقيقي لا يعني أن تفهم، لكن أن تحس وتشعر.
- الفن نشاط للروح لا للعقل، رغم أن العقل طريق الكاتب إلى الكتابة، فبناء الرواية جهد عقلي. متى تكون الرواية بضمير المتكلم أو غيره، ولماذا تتعدد فيها لغات الحكي، وأي أنواع الأفعال يصلح هنا أو هناك. الماضي أم المضارع. وهكذا.. هذا أساسه العقل وفهم الكاتب لتاريخ فن الرواية ومحاولته التفوق على هذا التاريخ ليكون مادة بدوره للنقاد يدرسونه إذا ارادوا ذلك.
- إذن فالرواية التي تعيد تفسير الأحداث التاريخية لن تسلم من الهوى تماماً مثل كتب المؤرخين التي هي ليست سالمة من الهوي دائماً.
- المؤرخ الذي كان يعيش في العصور القديمة كان يعرف أن كتابه سيقرؤه الحكام. بل إن في تاريخنا العربي القديم تكون أول نسخة للحاكم الذي يخلع على الكاتب الخلعة المنتظرة. ومن ثم فكل ما يخص الحاكم جميل. وليس بالضرورة أن يكون ما يخص الرعية سيئاً حقاً لكن المهم أن يرضى الحاكم عما كتب عنه.
- إذن الرواية التي تعيد تفسير التاريخ لن تختلف عن كتب «التأريخ» سواء أنصفت شخصياتها أم أدانتها .
- قضية فلسطين مثلاً عند بعض الكتاب مثل قضية الأندلس. بينما الزمنان مختلفان، وإلباس الماضي أفكار الحاضر تجعلنا نفهم الماضي كما نفهم ما حولنا، وهوليس كذلك ولايمكن.
- كذلك استدعاء شخصيات من التاريخ وإلباسها أفكار زعماء عظام من الحاضر أمر ساذج لأنه لو كان كذلك لكان التاريخ توقف من زمان أو لكنا تطورنا بشكل أسرع مما نحن عليه الآن في الدنيا كلها.
- ثم لماذا تخرج الموتى من قبورهم وتعطيهم أفكارك أو أفكار زعماء معاصرين تحبهم والموتى لم يسمعوا عنهم ولم يتنبأ لهم أحد بهم. هذا فضلاً عن سذاجته الأدبية لأنه عمل فكري وعقلي، أخلاقياً حرام..
- لايعني هذا أن كل الروايات التي أرادت تفسير الماضي بمعطيات الحاضر سيئة. لكن يعني أنها بعد زمن لن يعود إليها أحد لأن أفكار الحاضر السياسية مثل كل الأفكار تتغير ومن ثم سيوجد من يعيد التفسير وفقاً لأفكار جديدة ولن تستقر الرواية على حافة نهر الفن أبداً. وهذه هي الحافة الأبقى والأخلد والأمتع في القراءة.
- طيب كيف تكون الرواية التاريخية أعظم؟ بمحاولة الكاتب أن يذهب إلى هناك دون أي أفكار مسبقة. أن يدرس العصر الذي سيكتب عنه بكل مفردات الحياة اليومية مهما صغر شأنها مثل نوع الأحذية وعطور النساء وشكل الطرق وأنواع التجار والأسعاروالأسواق والنشاط العلني والسري للبشر وغير ذلك كثير جداً سيجده في كتب المؤرخين بلاشك ويستخدمه لرسم الشخصية لا للوصول إلى فكرته هو، مما يأخذك إلى هناك وتنسى به ما حولك.
- أن يعرف الكاتب أن شخوضه ماتت بما لها أو عليها ومهمته أن تتحرك أمامنا لأنها الآن تساوت بالموت.
- سيقفز سؤال أي أفكار يمكن أن تتلبس الشخصيات والكاتب يعيدها إلى الحياة. والإجابة الأفكار المطلقة العابرة للزمان. الحب والموت والرغبة في تحقيق المستحيل والخروج على المألوف وهكذا. هذه الأفكار الفلسفية لا تموت بينما الأفكار السياسية مصيرها إلى زوال.
هذه هي الشعرة التي تفرق بين الأدب و«التأريخ» غير ذلك سيقع في خانة التأريخ ويكون أشبه بالنصوص التعليمية وهذه لا تصمد في تاريخ الأدب رغم أنه يمكن تدريسها في المدارس مثلاً.

إبراهيم عبدالمجيد

http://kasra.co/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D9%8A%D8%B0%D9%87%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%A7%D8%A6%D9%8A-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D8%9F/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق