الصفحات

الجمعة، 22 أغسطس 2014

لماذا يكره المثقفون أحمد مراد؟

(1)

نجح جيل الستينات العظيم من الأدباء والذي يضع نفسه في مصاف الآلهة – إلا من رحم ربي – بمساعدة الظروف الاقتصادية الصعبة وغزو التليفزيون للمنزل المصري في صناعة حالة نفور من الأدب، صار الفيلم والمسلسل التليفزيوني وسيطا أكثر سهولة وقدرة على التعبير، يستطيع أن يتعاطاه حتى الأمي العاجز عن القراءة والكتابة، تراجع الأدب الذي نشأ بالأس من أجل المتعة والترفيه بعيدا ليستقر وسط مجموعة من المهتمين به، والذي أدمنوا القراءة وصارت جزء لا يتجزأ من حياتهم الخاصة.
ومع مرور الوقت تحولت تلك المجموعة إلى نخبة مثقفة، تحتقر هذا المجتمع الذي لا يقرأ، تراجع نسب الجهل السنوية وعلى وجهها ابتسامة ساخرة.
لم يطور جيل الستينات آليات الكتابة بحكم العظمة والخيال المعتاد، وكان التليفزيون خصما جبارا يستحيل الانتصار عليه.
(2)
حمدي مصطفى صاحب ومدير المؤسسة العربية الحديثة ذلك الرجل الذي اتخذ قرارا جريئا في ثمانينات القرن الماضي بإصدار سلاسل من الروايات القصيرة التي تنتمي إلى ما يسمى بالـ Pop fiction، وعلى يد نبيل فاروق وسلسلتي رجل المستحيل وملف المستقبل، بدأ جيل من المراهقين من أبناء السبعينات يعود مرة أخرى إلى القراءة، ومع ظهور أحمد خالد توفيق وسلسلة ماوراء الطبيعة وفانتازيا وسفاري، صار للكتابة آليات جديدة تنتمي إلى عصر قرائها، وبدأ جيل جديد من الشباب ينضم تدريجيا إلى تلك المدرسة الجديدة، الأدباء الجدد مواليد السبعينات والثمانينات يتشكل وعيهم ويستعدون للظهور.
بالطبع كانت نخبة المثقفين مازالت في أماكنها تعتبر تلك السلاسل عملا تافها لا يقرأه إلا تافه، وكان من ينضم إليهم من شباب هذا الجيل حريصا كل الحرص على الاستهزاء بها، على الرغم من أنها كانت قبلة الحياة للقراءة .
(3)
شهدت الألفية الجديدة حالة فورة أدبية، وتضاعفت أعداد دور النشر – بغض النظر عن عدم جدية أغلبها – ونشرت المئات بل الآلاف من الأعمال الأدبية، التي لم يستحق أكثر من 80% منها النشر، مما شجع تلك النخبة المثقفة التي لا تتجدد دمائها إلا بدماء أكثر مواتا منها على احتكار الحكم واعتبار أدب كتاب السبعينات والثمانينات لهو ولغو.
لم يدرك الكثيرون أن الأدب يطرد العملة الرديئة مثل أي سوق، ومع الوقت، تناقصت دور النشر وعدد الكتب، وبقي على الساحة من يستحق الوجود، بغض النظر عن القيمة الأدبية التي لا يمكن تقديرها – مع بقاء بعض من لا يستحقون النشر ولكن بنسبة صغيرة للغاية -.
كانت دور النشر الكبيرة تستعد لتسليم قيادتها للجيل الشاب من الأبناء، والدور الصغيرة الجدية التي أنشأها الشباب تثبت اقدامها على الساحة، فكان لابد أن أبطال جديدة على الساحة التي أصابها العقم لما يزيد عن 20 عاما.
(4)
لم يدعي أحمد مراد يوما أنه يكتب أدبا عميقا، كان يكتب بكل هدوء محققا النجاح تلو الأخر، كانت رواياته فيرتيجو وتراب الماس والفيل الأزرق وأخيرا 1919، تحتل قمة المبيعات في كل المكتبات.
تطورت آليات القاريء لدرجة أننا رأينا الكتب والروايات تعود مجددا لتدخل ضمن قائمة هدايا عيد الميلاد، صار البعض يتنافس للمرة الأولى على اقتناء رواية عربية بمجرد صدورها، ترشحت رواية الفيل الأزرق لجائزة البوكر العربية – بغض النظر عن قيمة الجائزة -، عادت السينما مرة أخرى للأدب وتحولت الرواية ذاتها إلى عمل سينمائي.
طبعت الروايات عشرات الطبعات الرسمية وعشرات الأضعاف من الطبعات المضروبة التي تباع على الرصيف وفي سور الأزبكية، وظلت كما هي على قائمة الأكثر مبيعا، تلك الكلمة التي قررت النخبة المثقفة منذ اللحظة الأولى اعتبارها سبة وعارا، وكأن القراءة فعل حميمي يجب أن يمارس على أضيق الحدود، وكأن زيادة عدد القراء قد أصابت بحساسية خاصة، الدائرة المغلقة والنخبة المقدسة تنتهك على يد كاتب مثل أحمد مراد.
(5)
بدأت حملات النقد العنيف، لتصدق المقولة التي رواها لي يوما الأستاذ إبراهيم عبدالمجيد عن بعثة لـ 20 موهوبا ذهبت لدراسة الأدب وعادت بأديب واحد و19 ناقدا، ونسيت تلك النخبة أن من يقرأ لكاتب يحبه لا يهتم بما يكتبونه.
زمابين نقادا حقيقي انتقد ما كتب مراد، وأخر سخر دون نقد حقيقي، وأخر كره النجاح وحاربه فقط، لم يرد الأديب الشاب أبدا، اكتفى فقط بالكتابة والانتاج والنجاح.
أشار البعض إلى أن نجاحه راجع إلى دار نشر قوية تسانده، واشار البعض الأخر إلى أنه عائد إلى ذكاء اجتماعي وعلاقات، واشار الأسوأ فيهم إلى تردي ذوق الجمهور، وفي الحالة الأولى والثانية هي مزايا تضاف للكاتب ولا تنتقص منه، وفي الأخيرة يكفيني رد مولانا فؤاد حداد:ورفعت فني الى مقام الشعب.
(6)
لست من عشاق أدب مراد، بل ولا يجوز لي انتقاده لأنني أكتب، وهو ما تناساه الكثيرون رغم أنه من أخلاقيات ابناء المهنة الواحدة، لكنني أدين له بالفضل لأنه أعطى الكتابة جمهورا جديدا، وليس ذنب مراد أن الناس عشقت البوب فيكشن واعتبرته وحده الأدب دون أن تحاول الاستمتاع بالتصنيفات الأخرى.
وأحسده على صبره على كل ما قيل عنه وعدم تورطه في معارك جانبية ربما كانت سوف تعطله.
ويبقى أخيرا أحمد مراد عدو النخبة المثقفة الأول، الذي ابتذل الأدب الذي يعرفونه وحدهم، ويحتكرونه وحدهم، ولا يدرك قيمته إلا هذا الساجد بين يديهم في انتظار البركات.
 أسامة الشاذلي
نقلا عن موقع كسرة

هناك تعليقان (2):

  1. أعجبني كلامه ، أحمد مراد كاتب ناجح سواء أعجبنا ما يكتب أم لم يعجبنا ، ولولا الاختلاف لبارت السلع .

    ردحذف
  2. كلام جميل و منطقي جدا, انا ايضا ارىانه كاتب ناجح , وان كنت اجد في اسلوب الكتابة ثغرات كثيرة و لكن ما لا نختلف عليه جميعا ان له خيال واسع و ذكاء في طرح الرواية و حبكتها

    ردحذف